صاحبتي في عقدها الثالث..
قصتها تحكي معانات الكثيرات في
ظل مجتمع حكم عليه أن يعيش متخبطا بين أصالته وبين عاصفة رياح الانفتاح التي
هبت عليه.
هي ابنة الجنوب، تعمل في إحدى المحالات
التجاريةـ أعجبني فيها صمودها وشخصيتها الرزينةـ علمتني كيف أن أصحاب المبادئ
والمثل العليا ليسوا بالضرورة أناس مثقفين، فتكفي بيئة صالحة لتنتج نفوسا طيبة،
جمعتني بها الصدفة لأكتشف أن الكثير مما تعلمته من الكتب تعلمته هي بالفطرة
السليمة..
حاولت التحدث باسمها علني أبلغ رسالتها وعلها ربما تنجو من حيرتها..
تقول "لم تكن أحلامي كبيرة بل
كانت بسيطة كبساطتي، لم أحلم أن أركب سيارات فاخرة وأقطن فيلات فخمة كقريناتي،
تعلمت تعليما بسيطا لا يحتمل تلك المتمنيات، وما معنى أن أتمنى زوجا غنيا مادمت
أمواله المقصودة وليس هو ، المال مادة من المواد التي يسخرها البشر لخدمته ومن
ينظر إليه كغاية فقد أحتقر ذاته وألغى إنسانيته ـ أسأل الله الستر والرزق الحلال.
والدتي امرأة مسنة لا تقوى على حمل ثقلها وأنا
المتكفلة بشؤون البيت الداخلية والخارجية بعد وفاة والدي رحمه الله منذ أزيد عن
العشر سنوات وبعد انتقال إخواني للعيش مع زوجاتهم.
أنا
من ذاك النوع الذي شبع مديح الناس وإعجابهم بأخلاقي منذ صغري وكل من يعرفني إلا
ويشهد أني تلك الفتاة الملتزمة " والحادكة" أي الملمة بأشغال البيت، وهذه هي الحقيقة لأني صدقا لم أقيم أية
علاقة مشبوهة في حياتي كاملة وحياتي تنحصر بين البيت والعمل، ليس خوفا أو خجلا
ولكنها مبادئ تربيت عليها وأؤمن بها و لست مستعدة للتنازل عنها مطلقا، الكل
يحترمني وينوه بي وعلاقتي مع الناس محدودة جدا تنحصر في خانة الاحتياج فقط، رغم
صمعتي الطيبة إلا أن ليس هناك من أتى من الباب كما هو مفروض شرعا والكل يطالب
بفترة تعارف قبل كل شيء وهذا ما ارفضه و لا تطاوعني نفسي أن انزل لهذا المستوى، لا تقولي لي ما العيب في
التعارف المحدود لأن مبادئي لا تقبل المقايضة والانتقاص وذاك غير مقبول وحرام بهذا
المعنى مهما حاولنا أن نزين فيه ونغطيه بغطاء مقبول، ولكن للأسف من اختارت في
زمننا طريق الصلاح فمصيرها العيش وحيدة وليس هناك من يقدر مثالياتها، فحتى أولائك
الرجال الذي يطالبون بالعفة وغير ذلك من الكلام، فهو مجرد كلام لأنهم في الواقع
يتزوجون فتيات عرفن كيف يتحايلن عليهم ويتظاهرن بطهرهن وهن غير ذلك، فهذا زمن
التحايل والصادق جني على نفسه بالبقاء وحيدا، حتى أخواني الذين طالما أوصوني
بالتبات والعفة تزوجوا عبر علاقات وكلام تليفونات وليس هناك منهم من طرق باب واحدة دون أن
يتعرف عليها وهذا دليل على التناقض الغريب الذي أصبح يعيش فيه الرجل، فالمبادئ
التي يعلن عليها أمام الملأ لا يعمل بها في الواقع، فرجل اليوم لا يمكنه أن يتقدم
لفتاة دون أن يتعرف عليها خارجا ولا يمكنه أن يقبل بفتاة عرف أنها أقامت علاقات مع
آخرون وهكذا ظل يبحث عن عفة يفتقدها في نفسه فاختار أن يوهم نفسه أنه استطاع
التوفيق بين الأمرين والتجميع بين التناقضات التي تعشش في دماغه.
هذه طريق أنا اخترتها وانتهى، ولا استطيع أن أغير
نفسي حتى وان كان الثمن أن أعيش طول عمري وحيدة .
لا تعتقدين أن فساد الفتاة سبب عنوستها فالصلاح ايضا
يؤدي للعنوسة وحين أتكلم عن الصلاح فالصلاح بكل ما تحمله الكلمة من معنى وليس مجرد
التظاهر بالصلاح وشتان بين وبين.."
وعلى
كل حال الزواج رزق من الخالق وقسمة ونصيب وليس هذا بالضبط ما يحيرني بل
أزمة القيم التي أصبحنا نعيشها.. كم يا ترى نسبة أولائك الذين هم في طريق
القيم سائرون ليس لأجل تلميع صورتهم داخل مجتمع منافق ولكن لأنهم حقا لا
يستطعون العيش بدونها.. "