"اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لأخرتك كأنك تموت غدا"، بحثت عن أصل الحديث فوجدته ضعيف لكن العبارة تحمل من الحكمة الكثير..
كلما فكرت في أهدافي البعيدة
المدى، أفكر في عمري الذي لا أعلم إن كان أصلا سيكفني لأحقق ولو القليل منها،
فلحظة مغادرة الحياة تلك لا تملك علامات أو أعراض، لا تفرق بين الشاب و العجوز
الطاعن في السن، ولا بين العليل والسليم، هو فقط عمر انتهى وآجال قد آن أوانه.
أفكارنا ومخططاتنا عادة ما
توهمنا أننا سنعيش عقود وعقود وأننا لن نموت قبل سن الثمانين، وقبل علامات المشيب
والظهر المقوس، فمعظمنا لا يدرك حقيقة الحياة رغم أننا نفاجئ من حين لآخر بخبر
وفاة شاب في عمر الزهور وفي امرأة رحلت عن الدنيا رغم أنها سليمة معافى ولا نفكر
حينها إلا في ما إن كان هؤلاء الموتى قد عملوا خيرا في دنياهم ينفعهم في محطة ما بعد
الحياة.
ماذا
لو حصل وعلمت أنك ستغادر الدنيا بعد أربعا وعشرين ساعة المقبلة، ما الذي ستغيره في
حياتك في هذا الوقت الوجيز، ما العادات التي ستتخلص منها؟ وما المعاصي التي ستتوب
عنها؟ كيف ستجمع كل من اغتبتهم وسخرت منهم وحسدت نعم الله عليهم ولو بغير قصد
لتعتذر عن أفعالك تجاههم، هل تركت صدقات جارية تشفع لك؟ ماذا عن حساباتك في
المواقع الاجتماعية؟، هل كتبت يوما حرفا تتوقع أن ينقلب عليك يوم تلقى فيه ربك، هل
نشرت ما قد تعذب به وأنت تحت التراب، فما قد نلهو به اليوم ونعتبره مجرد تسلية قد
يحسب علينا غدا، ومن ابتلي بمعصية كيف ما كانت فليستتر ولا داعي لنشرها أمام الخلق
والتباهي بها.
ولنرجع
للأربع والعشرين ساعة، لا شك أننا سنؤجل كل عمل دنيوي وسنركز في المصير الأخير وإن
ساعدتنا ذاكراتنا أن نسترجع كل تلك الزلات الماضية، فسنشرع دون شك في الاستغفار
عنها وتنظيف كل بقعة سنتركها قبل الرحيل.
في
لحظة صدق، ما الذي ستغيره في الأربع وعشرين ساعة المتبقية وما الذي ستقوم به؟ وما
الوصية التي تحب أن تتركها للإنسانية؟، ربما هي فرصة لا تمنحها الحياة
مطلقا، فمن من الموتى كان يعلم توقيت انتقاله للحياة الأخرى؟ وكل أولائك الذين هم
تحت التراب الآن لولا لطف القدر بي وبك لكنت أنا أو أنت مكانهم الآن، فهل نحن
مستعدون لنترك كل شيء ونرحل بضمائر مرتاحة؟
هل
التفكير في الموت واستشعاره في كل لحظة يخص فقط العجزة والمرضى وجماعة المتشائمين
واليائسين من الحياة؟ أم أنه يظل حقيقة شئنا أم أبينا سنعيشها في يوم قريب أو
بعيد.
ـ فرصة 24 ساعة هاته قد تكون غير حقيقية لكننا فقط بتخيلها نستطيع أن نعلم ما يمكن
تأجيله وما لا يتحمل التأجيل، وما يستلزم التغيير حقا، ولنعش الحياة كما يجب والأهم
فلنحاسِب قبل أن نحاسَب.