نشتكي كل يوم من غلاء أسعار
الخبز والحليب وصعود ثمن البنزين، نقبل
على تسديد فتورة الماء والكهرباء بنفس مقفلة ووجه مكفر، نوبخ شركات الاتصالات على
ضعف صبيب الانترنت، نملأ الدنيا ضجيجا لمجرد وقوفنا لساعة أو لساعتين ننتظر الحصول
على وثيقة من الوثائق أو شهادة من شهادات الحياة أو الوفاة أو ربما ثبوت الهوية !.
نندب حظنا السيئ لأننا أبناءٌ لهذا الوطن.
البعض منا مهووس بمقبلات الكرة
المنفوحة بالهواء يتعاطى مشاهدتها بجرعات مفرطة، قد لا يستجيب لنداءات بطنه وينسى
موعده مع المائدة لكنه مطلقا لن ينسى ميعادا مع الكرة، والبعض الأخر بما جد واستجد
في عالم السياسة، ولأننا إنسانيون جدا نجتمع في مظاهرات سلمية لنحتج دفاعا عن دماء
أرقت في موطن ما وعن ارض اغتصبت في بقعة ما. نحمل شعارات للحرية نتغنى بها لبعض
الوقت ثم نمضي وننسى!
من يعمل في إدارة عمومية يشتكي
الملل والضجر ومن يعمل في شركة من إحدى الشركات الخاصة يشتكي قسوة العمل وطول
ساعاته ومن هو عاطل عن العمل يندب حظه بعد أول فشل في الحصول عن عمل ويمضي الوقت
الطويل أمام الشاشة الخرساء يشتم الجميع وبعدها يتوقف ويسخر كل طاقته وتفكيره في
الحلم بالضفة الأخرى..
هو المغرب الذي نعرفه جميعا
ونشتكي منه ونتمنى الرحيل بعيدا عنه، فماذا عن المغرب الآخر حيث لا صنابير ولا
كهرباء ولا طرقات، حيث المشي على الأقدام أو البغال، حيث الوصول للمدارس
والمستشفيات يستلزم عشرات الكيلومترات، حيث الحصول على شهادة للحياة يستلزم سفر
طويلا مدته يوم أو أكثر، حيث لا انترنت ولا قنوات للأخبار، حيث ذاك المغرب الحقيقي
الذي لا تعرفونه !
شكواهم لا تشبه شكوانا !
أكبر همومهم إضاءة تغنيهم عن
الشموع وصنابير تريحهم من عناء السقي بالبغال وأبناء يعودون سالمين بعد كيلومترات
يقطعونها مشيا ليتعلموا حروفا لا دراية لهم بنفعها.
أكبر أحلامهم طرقات غير مقطوعة
وأربع جدران وسقف قادر على حمايتهم من قسوة البرد والصقيع، لا يموتون بالأمراض
الخبيثة فنزلة برد واحدة قادرة على الهتك بأرواحهم.
أكبر أمنياتهم ومعظم دعواتهم
الربانية تختزل في سماء تمطر ماءا تسقي حرثهم
وتسقي معها قلوبهم أملا في حياة ربما
كتب لها أن تستمر !
لا يعرفون كيف يحتجون رغم أن جلودهم
وقلوبهم تحتج عوضا عنهم، اغلبهم يعتقد أن الطبيعة سبب معاناتهم وأن هذا
العالم الفسيح لا يظم إلا أمثالهم.
هم مواطنون من الدرجة الرابعة
أو ربما مواطنون مع وقف التنفيذ، ماذا صنعت أيها المواطن الإنسان الذي يموت قهرا
إذا سمع عن دم سفك أو أطفال شردوا؟ ماذا صنع ضميرك لفك العزلة عنهم؟
فقط ليعيشوا كما نعيش وليشتكوا كما
نشتكي وعندما يضجرون يحلموا بالهجرة كما نحلم!